الله يجعلك أفلح من مديرك
“ركز يا ولدي، واحرص على مواصلة التعليم والتدريب الدائم وتطوير مهاراتك، وأنا موافق تأخذ من وقت الشغل لتدريب نفسك وتطويرها، لأن قدراتك وأعمالك بتتحسن، وبتكون نتائج عملك أفضل، وإذا لم تبادر أنت بذلك، فلا تنتظر أحداً يطورك”.
ما زالت هذه الكلمات التي قالها لي مديري، ومر عليها أكثر من ثمانيةَ عشرَ عاماً تتردد عليَّ بصورة متكررة، أستشعرها في عملي بعد أن أصبحت مديراً بفضل الله، تتمثل أمامي في تعاملي مع فريق عملي، وأتذكره -رضي الله عنه- في كل دورة تدريبية أحضرها، فقد رأيت في ذلك الرجل المميز مديراً يعمل مع موظفيه بروح الأب، ويساندهم وكأنه والدهم الفخور بهم، واتخذتها من بعده سياسةً في حياتي الإدارية.
إنها قاعدة التربية الأبوية التي يحرص فيها الأب المسؤول على تعليم أبنائه وتطويرهم، وكذلك المدير الناجح هم من يحرص على ترقي موظفيه ومساعدتهم وزيادة مهاراتهم وإكسابهم خبراتاً جديدة، بانياً الثقة مع موظفيه، فنجاح كل علاقة يبدأ بالثقة، فهو يصبر على أخطاء موظفيه ويؤمن بقدراتهم ويدفعهم للأمام ليكون كل عملٍ لهم أفضل من سابقه.
لا ضَير من ارتكاب الموظفين للأخطاء والاعتراف بها لحلها وتقويمها والحرص على الاستفادة من الخطأ، فهم كالأبناء يتعلمون ويكبرون ويبنون خبراتهم مع الوقت والصبر.
ولو تخيلنا علاقة الأب بأبنائه أو المدير بموظفيه كعملة معدنية، فوجهها الأول سيكون الثقة -التي ذكرناها منذ قليل-، لكن ماذا عن وجهها الثاني؟ إن إسناد المهام الجديدة لهم وتحميلهم المسؤولية هو وجهها الثاني من وجهة نظري؛ وإشراكهم في بعض الأعمال التي قد تمثل تحدياً جديداً لهم، تسهم في صقل مهاراتهم وتعزز نقاط قوّتهم، لاستدراك إخفاقاتهم وسد نقاط ضعفهم والعمل على تجاوزها.
إنّ كل فرد من الأسرة يتميز بصفات مختلفة؛ كذلك هو الحال في فريق العمل الناجح، فكل موظف لديه مهارات في أحد الجوانب يتميّز ويتفرّد عن غيره بها جاعلةً إياه ثروة بشرية لا تُقدر بثمن – إذا استطاع معرفتها وتنميتها واستغلالها بصورة حسنة-، وهنا تأتي مهمّة المدير الأب في توزيع المهام المناسبة لفريق عمله، حيث يعمل على “تمكينهم” للقيام بأعمال تناسب مهاراتهم مستغلاً لنقاط قوة كل فرد فيهم، ليحصل على أفضل أداءٍ للمنشأة.
يا مدير “اعلم أن الكل رابح يا صديقي” فالمدير المتميز الذي يفكر في الحياة المستمرة الأبدية مستقبلاً والذِكر الحسن له في حياته وبعد مماته، هو من (يهب من وقته وجهده) وقفاً لله تعالى ويتبرع بعلمه وموهبته لينفع بها من حوله محتسباً في ذلك الأجر والثواب مزكيّاً بذلك علمه وخبراته، فالوقت الذي ستبذله في تطوير فريق عملك والصبر عليهم سيعود بالنفع لك اولاً؛ ثم للمنظمة التي تعمل فيها مما يؤدي لتطوير المجتمع بأسره.
اعلم يا صديقي: أنه من الصعب على النفس أن ترى أحد متفوقاً أو متقدماً عليها، فطبيعة النفس البشرية تسعى لأن يكون صاحبها الأفضل من بين كل الناس، باستثناء نفس الأب! الذي يرفض أن يتقدم عليه شخص غير ابنه، فلا يريد لأبنائه إلا كل خير، ويتطلع لرؤيتهم بالنموذج الذي كان يتمناه لنفسه بل وأفضل من ذلك، فهو الوحيد الذي يرجو أن يرى ابنه “أفلح منه”، وكما نقول عندما نرغب في إسعاد الابن وأبيه “الله يجعلك أفلح من أبوك” فها أنا أقول لفريق عملي “الله يجعلكم أفلح من مديركم!“.
همسة أخيرة: حتى وأنت “مدير كبير” وأنت تطور موظفيك.. تحتاج تطور نفسك، ليتطور عملك وتبقى متجدد.
ولكم مودتي العميقة.
م. عبدالله بن سعيد الجميري
تجربة التعليق على المقال